دعوني في البداية أن أعرِّف القارئ الكريم ببطل هذه المقالة وهو :”منجم البقرة” ، ذلك أنَّ التعريف به مهم لفهم المغزى الأساسي لعنوان المقالة وهو:”تخرصات منجمي كورونا”وبخاصة ما يتعلق منها بتغير قيادة العالم نتيجة لوباء ” كورونا “. في مرحلة الطفولة كنت أسعد كثيرا بزيارة أخوالي في “بادية عُتود “(تعتبر حاليا مركزا من مراكز أمارة منطقة جازان) و كانوا رعاة إبل وأبقار وأغنام .
لقد كان أحد مصادرسعادتي في هذه الزيارة هي سماعي لقصصهم ورواياتهم الحقيقية والخرافية ، التي كانت تُشبع خيالاتي الطفولية ، لقد كان من بين القصص التي سمعتها قصة “منجم البقرة “حيث يحكون هذه القصة تعبيراً عن استهجانهم لبعض التوقعات ، التي يقوم بها بعض الأشخاص باعتبار أنَّ هذه التوقعات مجرد تحصيل حاصل.
تقول القصة “أنَّه كان في أحد الأزمنة يَمرُّ على رعاة البقر شخص يدَّعي أنَّه يعرف ماذا سيحدث في المستقبل ، وماستؤول إليه الأحداث، لذلك كان رعاة البقر يسألونه من باب التندر به:ماذا ستلد أبقارنا؟.
لقد كانت إجابته محددة وقاطعة وهي أنَّ البقرة سوف تلد ” تبيعا او تبيعة ” (أو بمعنى آخر حسيل أو حسيلة) ، لقد كانوا يضحكون من هذه الإجابة، وفي الواقع فإنَّه مع علمهم بعدم مصداقية هذا المنجم “إلاَّ أنهم كانوا يدفعون له مبلغا نقديا بسيطا جدا أو حبوبا زهيدة القيمة مقابل تنجيمه أو تخرصه هذا ، وذلك أنَّهم يستمتعون بخرافة هذا المنجم ويضحكون عليها ، هذه المقولة الخاصةبــ”منجم البقرة” لها مايقابلها في العديد من الثقافات داخل المملكة وخارجها ، حيث توجد مقولة مطابقة له تماما وهي:”حلم الضبعة يا تمطر أو لا تمطر “، وهي تعني أنَّ النتيجة محسومة ولا تحتاج إلى حلم ضبعة متخصصة في الأرصاد الجوية.
بعد توضيحي لمبدأ”منجم البقرة ” نعود إلى حقيقة التنجيم بتغير قيادة العالم بعد أزمة كورونا أو نتيجة لأزمة كورونا ، إنَّ المتابع للأُطروحات الفكرية في هذا الشأن سوف يجد أننا أمام آراء منجمين أو متخرصين أكثر من كوننا أمام آراء مفكرين حقيقين حيث اصبحت آراء هؤلاء المتخرصين الجدد ، مادة لمحطات الأخبار ومراكز الأبحاث والدراسات ومواقع التواصل الاجتماعي حيث تتحدث هذه الآراء بجزم دون سند علمي بأنَّ قيادة العالم سوف تتغير بعد أزمة كورونا ، لتنتقل من الولايات المتحدة الأمريكية إلى المرشح القوي في اعتقادهم وهي الصين.
لقد أصبح هذا الرأي متداولا و مبتذلا لدرجة أنَّ المتتبع للكتابات في هذا الشأن يشعر و كأنَّه أمام جماجم فكرية ، أشبه ما تكون بالأواني المستطرقة حيث تماثلت فيها التنجيمات لديهم عن تغيير قيادة العالم دون تقديم مبررات منطقية لحقيقة نتائج هذا التنجيم ، فعلى سبيل المثال لهذه التنجيمات أو التخرصات طرحت مجلة “الفورين بوليسي” سؤالاً للدارسين والمهتمين بالسياسات والعلاقات الدولية مفاده: كيف يمكن للعالم والعلاقات الدولية أنْ تتأثر وتتغير بعد وباء كورونا؟
لقد تم طرح هذا السؤال على عدد من العسكريين والدبلوماسيين و الأكاديميين ومعظمهم من الأمريكيين ، أو من ذوي الخلفية الثقافية الأمريكية ، لقد كانت إجاباتهم أشبه ما تكون بإجابة “منجم البقرة” فهي تتحدث عن تغييرات وليس تغيير واحد من بينها تغيير قيادة العالم ، دون تقديم بيانات أو أدلة علمية على هذه التغييرات حيث كانت إجاباتهم أقرب إلى التنجيمات أو التخرصات لأنها تستند في الأساس إلى انطباعات شخصية تم التعبير عنها من فيض الخاطر.
بل إنَّ الكثير من هذه الإجابات التنجيمية تحمل في طياتها طابع التحيُزات والتهديدات السياسية والاقتصادية والعسكرية وبخاصة للدول النامية التي ليست بحاجة لمثل هذه التنجيمات “فما فيها كافيها”، والحال قبل وبعد كورونا واحد حيث أنَّه من السهل أنْ يتنجم المنجم بمصير هذه الدول النامية ، وبخاصة إذا ماكان هذا المنجم من الدول الكبرى حيث يكون تنجيمه أقرب إلى الواقع حيث تمثل الدول الكبرى المحرك الأساسي للأحداث في مستقبل الدول النامية ، وهو واقع لا يحتاج إلى كثير من الجهد من قبل هؤلاء المنجمين علما بأن هناك اليوم دولاً تُحسب على دول العالم النامي وهي في واقع الأمر ذات تأثير كبير في القرار السياسي ، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى تخرصات هؤلاء المنجمين أو تهديداتهم.
مرة أخرى ما تم طرحه من إجابات على سؤال مجلة “الفوريان بوليسي” أقل مايقال عنها ، أنها عبارة عن انطباعات تنجيمية أو تخرصات تفتقر إلى الأدلة والبيانات وبتالي فإنَّ التغيير الذي يتوقعه هؤلاء المجيبون يمكن أنْ يحدث بسبب كورونا أو بدونها ، أما مقال المؤرخ “يوفيل هراري” الذي جاء بعنوان “كيف سيبدو العالم بعد فيروس كورونا ” الذي تم نشره في صحيفة “فايناتشال تايمز” فقد كان أكثر تعقلا حيث تطرق إلى قضايا في التغيير يمكن قبولها حيث لم يكن من بينها تغيير قيادة العالم.
أمَّا إذا ما انتقلنا إلى بعض المنجمين العرب وما ينشرونه من تخرصات في وسائل الإعلام العربية المختلفة ، فلا تعدو أنْ تكون صدى لما يكتب وينشر في مراكز البحوث والدراسات ووسائل الإعلام الغربية وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية ، لقد حملت لنا العديد من وسائل الإعلام العربية والناطقة بالعربية عناوين متعددة من قبيل:
- كيف سيبدو العالم بعد كورونا؟
- أي عالم ينتظرنا بعد كورونا؟
- هل يؤدي تفشي الوباء إلى ميلاد نظام دولي جديد؟
- ماذا سيحدث في العالم بعد انتهاء أزمة كورونا؟
- ماذا سيحدث لو تحول فيروس كورونا إلى وباء عالمي؟
- كورونا ونهاية العالم
هذه أمثلة لبعض العناوين التخرصية بالنسبة لما سوف يحدث من تغيير في القيادة العالمية بعد أزمة كورونا ، وهي في جُلِّها إنْ لم تكن كلها تمثل صدى، كما أشرت سلفا،للسؤال والإجابات المطروحة في مجلة ” الفورين بوليسي”. إجمالاً فإنَّ معظم إن لم تكن كل الآراء العربية المطروحة عن تغير قيادة العالم ، بعد أزمة كورونا لم تتجاوز أيضا تخرصات المنجمين ذلك أنَّ هذه المقالات كانت جميعها تدور حول فكرة عامة واحدة وهي: “ما علينا أنْ نقبله هو أنَّ العالم لن يعود أبدا إلى ما كان عليه في السابق”.
هذه النتيجة لم تجاوب على أسئلة محورية بالنسبة لتغيير قيادة العالم بعد كورونا فهي لم تجب على أسئلة من قبيل : كيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟حيث تم الاكتفاء بالإجابة على سؤال “ماذا “سيحدث وهي إجابة لم تخرج عن إطار سذاجة “منجم البقرة” ، الشيء الملفت للنظر هنا هو أنَّ معظم هذه التخرصات العالمية أو العربية ، حول تغيير قيادة العالم بعد أزمة كورونا لا تتعدى كونها أمنيات بأفول قوة الولايات المتحدة الأمريكية وقيادتها العالمية دون وجود مبررات حقيقية تدعم مثل هذه التخرصات.
في الواقع فلقد بدأ التغيير في الموقع العالمي للولايات المتحدة الأمريكية قبل وباء كورونا ، و ذلك بنشوء قوى اقتصادية وعسكرية و علمية وتقنية حتى من بين دول العالم الثالث حيث أصبح لهذه الدول تأثير في القرار العالمي كما أنها غيرت بدورها هذه القوى الجديدة مبدأ القطب الواحد ، الذي كانت تتربع عليه الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد سقوط الإتحاد السوفيتي،فضلا عن التشكيك في دعوات غربية المنشأ مثل الرأسمالية والديمقراطية والليبرالية الجديدة ومضامين كتاب نهاية التاريخ ، والإنسان الأخير والعولمة والخصخصة حيث أصبحت هذه المفاهيم محل نقاش وتحد بالنسبة لمستقبل العالم من قبل مفكري الدول المتقدمة في المقام الأول ،و ذلك بسبب سوء التطبيق لهذه المفاهيم ، على أنَّه ومع حدوث هذه التغييرات إلَّا أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تظل في الوقت الراهن هي القوة العظمى المهيمنة ،سياسيا واقتصادية وعسكريا في ظل هذه المنافسة العالمية لمكانتها.
صحيح أنَّ قوة الولايات المتحدة الأمريكية تجد من ينافسها بل ويتحداها لكن طرح البدائل عن هذه القوة في الوقت الراهن ، ليست سوى مجرد تخرصات وبخاصة مايتعلق منها بطرح الصين كدولة عظمى بعد أزمة كورونا.
لقد أعجبتني ردود بعض الكتاب والإعلاميين حول هذا الطرح وهي أنَّ الصين لا تريد هذا الدور في المستقبل القريب ، لأنَّها غير جاهزة له مع اعتراف العالم كله بحضور الصين بصفتها دولة عظمى. لقد زرت الصين مرتين مرة قبل صعودها في نهاية التسعينات ومرة بعد بداية صعودها وترجمة كتابين عن الإدارة الصينية ، وأكاد أجزم أنَّه عل الرغم من التفوق والإنجازات المذهلة التي حققتها الصين إلَّا أنَّ الثقافة الصينية السياسة والإدارية ليست داعمة لهذا الدور العالمي للصين ، في الوقت الراهن في قيادة العالم.
ذلك لأنَّ الثقافة الصينية لا تزال تؤمن بالتوجيهات العليا الصارمة وأنَّ المبادرات الصينية هي مبادرات موجهة ، بقوة السياسة وليست مرنة أو تشاركية ، فضلا عن ذلك فإنَّ الصين ليست محمية بمحيطات كما في الولايات المتحدة الأمريكية ، بل إنَّها تعيش في جوار دول لها معها خلافات تاريخية ، لا يمكن أن تجعل الصين في موقع القيادة العالمية بعد أزمة كورونا ، بل إنَّ وجود الكثير من مواطني ورجال الأعمال الصينين في الدول المجاورة للصين ، قد أوجد مشكلة سياسية واقتصادية واخلاقية في علاقة هذه الدول بالصين.
وأخيرا فإنَّه وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها الصين في مواجهة كورونا وبخاصة في الفترة الأخيرة ، إلَّا أنَّ الاتهام الأخلاقي للصين حول التعامل مع هذه الأزمة لا يزال ملفه مفتوحا. لقد أظهرت أزمة كورونا للأسف، وهي أنَّ الكثير من الدول الآسيوية، بما في ذلك الصين قد برهنت على حقيقة عدم مراعاتها لحقوق الإنسان، بل حقوق مواطنيها، حيث استغلت الكثير من هذه الدول قرارات حظر التجول فيها، على سبيل المثال، لتهين مواطنيها بالضرب والتعسف والإهانة.
لقد وصل الحال في بعض هذه الشعوب الى تجريد المواطن من ملابسه بحجة تطبيق النظام ، وهم لايدرون أنهم يخالفون ما هو أبعد من نظام حظر التجول …ألا وهو كرامة الإنسان.بالطبع الأمر فيما يتصل بإهانة كرامة الإنسان بحجة تطبيق نظام حظر التجول لم يكن قاصرا على بعض الدول الآسيوية ، بل رأيناه ممارساً بشكل أبشع في بعض الدول الغربية ، لذلك أقول أنَّ زعامة العالم لا تستقيم لأي دولة تتم إهانة مواطنيها ،على يد من يفترض أنَّه يحرسون أمانة وكرامة هؤلاء المواطنين.
التخرصات وحدها أو بمعنى آخر تبني أسلوب تفكير “منجم البقرة” لا تكفي لتوقع ما سيحدث بالنسبة لقيادة العالم ، دون تقديم أدلة أو براهين مقنعة. في الماضي لم يتغير العالم وتتغير قيادات العالم الدولية عبر التاريخ إلَّا بمعطيات كبيرة جدا في مقدمتها الانتصارات والهزائم العسكرية وما تلاها بعد ذلك من إحراز قوى متعددة داعمة لهذه القيادة شملة المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية.
إنَّ هناك العديد من المعطيات التي تزخر بها بعض الكتابات الرصينة في غالبها العالم ، حول التغييرات التي سوف تحدث للعالم بعد أزمة كورونا حيث لم تتضمن هذه الكتابات الرصينة ما سيحدث لقيادة العالم وركزت في الأساس على الجوانب العلمية والتقنية والسياسية ، بل إنَّ هذه الكتابات أشارت تلميحا وتصريحا إلى أنَّ بعض قيادات دول العالم المتقدمة كانت على علم بوقوع أزمة كورونا ولم تعلن عن ذلك قبل ظهورها الأخير في الصين.
فالمراجع للسياسات الدول الأوروبية المالية كما أوردها مقال “القصة الحقيقية وراء فهم فايروس كورونا كما أراد لنا الأوربيون أنْ نعتقد”، يستنتج بكل وضوح – وليس مجرد تخرصات-بأنَّ الدول الأوروبية كانت تستعد في موازناتها لعام ٢٠٢٠م في مواجهتها لوبا كورونا ، هذا الحدث الخاص بوباء “كورونا” لم يكن كذلك مفاجئا بالنسبة للصين أو الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا او دول أوروبية او اليابان او كورية أو أسترالية أو كندا حيث أنَّ هذه الدول تنسق فيما بينها ، في مختبراتها العلمية الضخمة الخطيرة لدراسة الفيروسات وتأثيرها على العالم حيث تقوم هذه المختبرات بدراسة و تنشيط بعض الفيروسات التي فتكت بالعالم القديم ، لقد تم اطلاق مسمى كوفيدcovid-19 على فايروس “كورونا”إحياء لذكرى covid-18 الذي هاجم الجنس البشري قبل اكثر من (١٥٠) الف عام حيث تم تفعيل هذا الفايروس من جديد.
لقد أوردت لنا العديد من الكتابات العالمية الرصينة الأسباب والنتائج المتعلقة بحدوث أزمة كورونا ، وليس من بينها أي سبب ونتيجة قاطعة تتعلق بتغيير قيادة العالم بعد انحسار أزمة كورونا. لقد كان من بين الأسباب التي أوردتها هذه الكتابات فيما يتصل بانتشار او نشر وباء كورونا ، عزم الدول الكبرى على التخلص من مواطنيها و مواطن العالم غير المنتجين وفي مقدمتهم كبار السن والأشخاص الذين يعانون من العاهات والأمراض المزمنة.
بالطبع لم تكشف هذه الدول عن حقيقة هذه الأسباب غير انَّها كانت واضحة من تلكؤ الكثير منها ، وبخاصة الدول المتقدمة من الاستعداد للفايروس كورونا أو الاستعداد للتقديم الرعاية الطبية لضحايا هذا المرض او إعطاء معلومات شفافة عن ضحايا هذا الفايروس ، فعلى سبيل المثال ، هذه الحقيقة المتعلقة بعدم الشفافية حول ضحايا فايروس كورونا هي التي جعلت المليونير الصيني “تشنغوون”المعارض في تايوان الذي يشتهر باسم “زاك” أنْ يتحدى الحكومة الصينية ، في أنَّ عدد الذين يموتون في ذروة تفشي وباء فايروس كورونا في “مدينة ووهان ” (٣٩) تسعة وثلاثون ألف شخصاً .
بل إنَّ صحيفة ذا ايبوتشتايمز TheEpocTimes نشرت في أحد تقاريرها بأنَّ (٢١) مليون هاتف ، قد غادروا بشكل نهائي شبكة الاتصالات الصينية خلال ثلاثة أشهر من تفشي وباء “كورونا”مما يعطي مؤشراً على حقيقة الأثر الكبير وغير الأخلاقي لهذا الفيروس ، على مستوى الإبادة وليس على مستوى زعامة أوقيادة العالم.
هذه الأثار أو النتائج غير الأخلاقية لفايروس”كورونا”كانت موضعا للملاسنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ، حيث أشارت بلومبيرغ في يوم الأربعاء الأولمن شهر أبريل ٢٠٢٠م نقلاً عن الاستخبارات الأمريكية من أنَّ الصين كانت تُبلِّغ عن أعداد أقل من الوفيات مقارنة بالأعداد الحقيقية ، هذه الملاسنة للنتائج غير الأخلاقية لفايروس “كورونا” وليس للتنافس على قيادة العالم ظهرت بين هذين البلدين في اليوم الثاني من شهر أبريل٢٠٢٠م عندما أتهمت الولايات المتحدة الأمريكية الصين ، بأنها لم تقل الحقيقة حول أعداد الوفيات نتيجة لفايروس” كورونا” حيث ردت الصين فورا بأنَّ بعض الساسة الأمريكيين يفتقرون الى الأخلاق.
نعم … التغيير الذي أحدثه وباء فايروس” كورونا” والذي سوف يحدثه على مستوى العالم كبيرجدا سواء على المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الطبية أو التقنية أو الأمنية ولكن ليس على مستوى تغيير قيادة العالم بهذه السرعة. من هذه الآثار يكفي أنْ نشير الى أنَّ مايقرب من (٢٥)مليون وظيفة سوف تتم خسارتها حول العالم. إنَّ العالم في حيرة من حقيقة الأثار التي سوف يتركها هذا الوباء على العالم حيث تعتقد معظم الشعوب وبخاصة في الدول لكبرى بأنَّ زعاماتها تخفي عنها حقيقة هذا الفايروس والآثار التي سوف يحدثها لدرجة أنَّ بعض هذه الزعامات أعلن ببساطة أنَّ على مجتمعه أنْ يواجه فايروس كورونا بما أسماه “مناعة القطيع” في حين فظَّل البعض منهم في بداية غزو الفايروس التضحية بالبشر مقابل عدم التضحية بالاقتصاد وهذه الحقيقة لا تحتاج إلى تخرصات أو تنجيمات.
إنَّ توقع الأثار التي سوف يتركها وباء كورونا على العالم سياسيا واقتصاديا وطبيا وتقنيا ممكنا وبدرجة كبيرة غير أنَّ توقع تغيير قيادة العالم بسبب هذا الوباء أقرب ما تكون الى التخرصات منها الى الحقيقة. لذلك فإنَّ أي توقع وليس مجرد تخرص لتغيير قيادة العالم يجب أنْ يأخذ في الاعتبار درجة توافر عدد من المعطيات المهمة لدى الدولة المرشحة لقيادة العالم. هذه المعطيات هي على النحو التالي:
١- القيادة الناجحة وفريق العمل المتميز الذي سوف يعمل مع هذا القائد الذي من المفترض أنْ يكون أكثر كفاءة من القائد.
٢-القوة العسكرية الرادعة والضاربة.
٣-القوة الاقتصادية المحمية عسكريا.
٤- القوة العلمية بجميع مجالاتها بما في ذلك قوة التفوق التقني.
٥- وجود مجتمعات محتاجة وضعيفة تتيح لهذه الدول أنْ تمارس عليها دورها القيادي العالمي.
٦- وجود منظمات دولية واقليمية ومحلية تضمن من خلالها الدول القوية حماية مصالحها.
هذه المعطيات الست، في اعتقادي، سوف تحدد من سيكون طرفا في قوة القيادة الدولية ، حيث ستظهر في المستقبل عدة قوى وليست قوة واحدة أو قطب واحد كما هو الحال في جميع الحضارات السالفة ، بالطبع لم أذكر ضمن المعطيات الست السابقة المعطى الخاص بقوة الأخلاق ، وما تتضمنه من قيم مثل العدالة والنزاهة وحقوق الإنسان وغيرها من القيم الإيجابية حيث أنَّ هذه القيم يحددها الطرف القوي ويفسرها متى ماشاء بتفسيرات مختلفة مثل ماحدث في رواية ” مزرعة الحيوانات”.
ختاما يمكن القول بأنَّ التخرصات وحدها لايمكن الركون اليها فيما يتصل بتغيير قيادة العالم بعد أزمة كورونا، ذلك أنَّ التغيير حادث لامحالة وقد بدأ هذا التغيير منذ فترة ماضية دون حاجة الى وجود “كورونا”، أي أنَّ تخرصات “منجم البقرة” هي مجرة تحصيل حاصل ، كما الحال بالنسبة لتخرصات المتخرصون حول تغير قيادة العالم نتيجة لوباء كورونا.
إنَّ تقرير امكانية أو حقيقة تغير قيادة العالم بسبب وباء كورونا يحتاج إلى أدلة منطقية ، وإلَّا فإنَّ توقع هذه التغيرات لن يكون سوى مجرد تخرصات من المنجمين الجدد الذين يعيدون لنا سيناريو “سذاجة منجم البقرة “
الذي عاش حينا من الدهر يسوق على رعاة البقر سذاجته ‘وهو يدري، في الغالب، أو لايدري أحيانا أنَّ رعاة البقر في “بادية عتود” كانوا يستخفون بتخرصاته المحسومة النتيجة وكانوا في نفس الوقت يدفعون له مقابلا زهيدا جراء هذه التخرصاتﻷنَّهم كانوا بحاجة الى لحظات من التسلية وكان هذا المنجم يوفرها لهم هذه التسمية من خلال تخرصاته الساذجة.