د.سامح الشريف
​​​​

قياس أداء الأجهزة الحكومية أصبح حتمياً وتوافق اللوائح مع الرؤية ضروري
توظيف التقنية والتدريب عن بعد والتقارب بين مراكز التدريب العالمية أهم الاتجاهات الحديثة
لابد من إجراء دراسة لتفاعل الأجهزة الحكومية مع رؤية 2030

تحمل رؤية المملكة 2030 العديد من جوانب التطوير المنتظرة في أداء الأجهزة الحكومية على مستوى الخطط والأهداف والأداء الفعلي، ولكن هناك ضرورة لتوافق اللوائح الحكومية مع الرؤية، كما أن هناك حاجة ماسة لتفاعل الأجهزة الحكومية بشكل كبير مع مشاريع ومبادرات الرؤية. وللحديث عن تفاصيل هذا التطور؛ نلتقي الخبير الإداري وعضو مجلس الشورى د.عبدالرحمن بن أحمد هيجان، والذي شغل منصب نائب مدير عام معهد الإدارة العامة للبحوث والمعلومات، ونائب مدير معهد الإدارة العامة للتدريب المكلف، ومدير عام الاستشارات ومدير عام مركز البحوث، وله ما يقرب من (50) عملاً علمياً بين مؤلف، وبحث، ومترجم. وإليكم تفاصيل اللقاء…

لوائح وأنظمة

​​كيف يمكن تطوير اللوائح في القطاع الحكومي لتتوافق مع رؤية 2030 وإستراتيجياتها، وأهدافها؟
اللوائح تمثل شرحاً تفصيلياً لمواد النظام؛ ومن ثم فهي تتأثر بالمتغيرات المختلفة في المجتمع. وعادة ما تبني اللوائح على الأنظمة المتبعة في الدولة، وتفوض الأجهزة الحكومية في وضع اللوائح الخاصة بها، وفي الفترة الحالية تقوم الأجهزة التشريعية، والتي تشترك مع بعضها في التشريع، وهي مجلس الوزراء ويعاونها مجلس الشورى، بالعمل على أن تكون الأنظمة واللوائح الحالية للأجهزة الحكومية متوافقة مع رؤية 2030، خاصة أن هناك متغيرات تتعلق باللوائح فرضت هذا التحديث؛ مثل ظهور أجهزة جديدة، إلى جانب دور التقنية وتأثيراتها على عمل الأجهزة الحكومية، والتي أحدثت تغيرات في المجتمعات بشكل عام، مما ينعكس على عمل الجهاز الحكومي، وسينعكس بدوره على اللوائح.

قياس الأداء

ما أهم مؤشرات قياس أداء الأجهزة الحكومية؟
هناك توجه كبير في المملكة لقياس أداء الأجهزة الحكومية، وقد بدأ هذا التوجه بإنشاء مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية في معهد الإدارة العامة، وكان لي الشرف أني كنت من أوائل الأشخاص الذين طبقوا عمليات قياس الأداء للأجهزة الحكومية عبر هذا المركز، ثم أُنشئ المركز الوطني لقياس الأداء للأجهزة الحكومية. وقياس الأداء ليس بالأمر اليسير؛ إذ يتبع الحكومة العديد من الأجهزة وليس جهازاً واحداً، كما أن المقياس في الأجهزة الحكومية ليس مقياس الربح وإنما مقياس الخدمة، كما أن هذه الخدمة متنوعة بدورها في الأجهزة الحكومية، وعلى سبيل المثال، فالخدمة التي يقدمها معهد الإدارة العامة في التدريب تختلف عن الخدمة التي تقدمها وزارة العدل وتختلف عن الخدمة التي تقدمها وزارة العمل أو المرور أو وزارة الصحة؛ وبالتالي فإن وضع مؤشرات لقياس الأداء تواجهه تحديات كبيرة، ولها مدارس نظرية مختلفة تماماً.

كما وضِعت نماذج ومعايير مختلفة لقياس الأداء، وترتبط عملية قياس الأداء في مجملها بعملية الحوكمة، سواء حوكمة الجهاز الحكومي أو حوكمة القطاع الخاص؛ وبالتالي فإن الخبراء الذين يعدون معايير قياس الأداء يقومون بإعدادها وفقاً للخدمة التي سيتم قياسها، ومن ثم فلا يوجد مقياس واحد ينطبق على جميع الخدمات أو على جميع الأجهزة؛ مثل الأجهزة المساعدة مثلاً كالشئون الإدارية والمالية أو الأجهزة الاستشارية كالتقييم والتنظيم. وقياس الأداء أصبح عملية حتمية الآن، فإذا لم تعرف مخرجات العمل الذي تقوم به أو لا تعرف قياسه فاصرف النظر عنه ولا تقوم به، ولا أستطيع أن أعدد معايير معينة لقياس الأداء؛ لأنها تختلف باختلاف الجهاز ونوع النشاط.

شؤون الموظفين

ما الذي ينقص الموارد البشرية الحكومية لتسهم بدور فعال في التنمية الإدارية؟​
أعتقد أن نطاق الموارد البشرية من أكثر النطاقات التي تعرضت في الآونة الأخيرة لكثير من التغييرات، وأعتقد أن أغلبية هذه التغييرات في حاجة إلى إعادة نظر؛ لأن أغلبها هي تغييرات نظرية فقط ولم يتغير في الواقع شيء، فما كان “شئون موظفين” في السابق كان عملية منضبطة بقوانينها وأنظمتها ولوائحها وممارساتها ونماذجها، وفجأة وجدنا مسمى الموارد البشرية يطرح نفسه، وفي اعتقادي لم يتم تغيير هذه العملية، فلا يزال نظام شئون الموظفين موجوداً حتى لو تغير المسمى إلى الموارد البشرية، ولا أرى أي تأثير حقيقي لهذا التغيير سوى في المسمى فقط.

ويلاحظ أن عملية استيعاب هذا التغيير ومضامينه ليست واضحة، فنظام شئون الموظفين لا يزال نظامه بالخدمة المدنية هو نفسه نظام شئون الموظفين القديم، أعرف أن هناك برنامجاً للموارد البشرية بُذلت فيه محاولات جيدة لتطبيقه، لكني وجدت أن هذه البرنامج يحتاج إلى إعادة نظر، وبشكل عام فإني لم أجد أية دلالة على هذا التغيير باستثناء تغيير المسمى فقط في إدارات الموارد البشرية بالأجهزة الحكومية.

تحديات السياسات العامة

ما أبرز التحديات التي تواجه صناعة السياسات العامة للقطاع العام؟

من النادر في المملكة العربية السعودية أن نستخدم مصطلح السياسات العامة في القطاع العام، وهذا المصطلح في الجانب النظري له دلالات ومعاني مختلفة، فهو يستخدم بمعني الأنظمة واللوائح، وقد يستخدم بمعنى التوجهات بالنسبة للخطط الإستراتيجية، وقد يستخدم أيضاً بمعنى السياسات العامة كمنهج لحل المشكلات، ويميل القطاع الحكومي في المملكة العربية السعودية إلى استخدام مصطلح الأنظمة واللوائح والخطط الإستراتيجية، أما استخدام مصطلح السياسات العامة في المملكة فهو نادر وغير شائع، وهذا الأمر يختلف من بلد إلى بلد آخر.

وإذا استخدمنا مصطلح السياسات العامة بمعنى الخطط الإستراتيجية؛ فإن من أهم التحديات التي تواجهها هذه الخطط التغير الذي يشهده العصر الراهن؛ فالعمل الذي كان يخطط له في الخمس سنوات الماضية من الصعب أن يطبق حالياً بنفس الشكل. فعلى مستوى المنظمات تحدث تغيرات كبيرة سواء على مستوى الخطط نفسها أو على مستوى الكوادر البشرية؛ ومن ثم تمثل المعلومات الاقتصادية والإدارية وتغيراتها السريعة تحدٍ مهم في عصرنا الحالي، كذلك فإن من التحديات التي تواجه صناعة السياسات أو الخطط العامة في عالمنا العربي موضوع التنفيذ، فكثيراً ما يتم وضع خطط جيدة من جانب أشخاص مؤهلين؛ لكن عندما يأتي التنفيذ قد تتغير الشخصيات التي وضعت الخطط وتأتي شخصيات أخرى أقل حماساً لهذه الخطط مما يؤثر على تنفيذها.

التدريب

ما أهم الاتجاهات الحديثة في التدريب لتأهيل الموارد البشرية؟

التدريب من الصناعات النشطة والديناميكية في العالم، ومن أهم اتجاهاته الحديثة توظيف التقنية والتدريب عن بعد، وهو ما ظهر منذ فترة، وأيضاً من الاتجاهات الحديثة في التدريب التقارب العالمي بين مراكز التدريب، لدرجة أنك تستطيع أن ترى اللغة والمحتوى المتقارب جداً بين البرامج والحقائب التدريبية في أكثر من دولة.

كيف يمكن تحقيق التوافق بين مخرجات التدريب وحاجة سوق العمل؟

توجد أنواع مختلفة من التدريب، وإذا كنا نتحدث عن تدريب الأفراد الذين لم يسبق لهم دخول سوق العمل؛ فإن المملكة تدعم متخذي القرار في الجهات العليا، كما تدعم التوجه نحو تدريب الشباب الذين لم يسبق لهم دخول سوق العمل. وبالفعل قدمت مختلف الجهات المسئولة عن التدريب جهداً كبيراً لضخ دماء جديدة لسوق العمل؛ ولكنها تواجه إشكالية تغير قطاعات العمل سريعاً، كما تواجه إشكالية تتعلق بقرارات المتدربين أنفسهم، لكني أعتقد أنه من المناسب في هذا الشأن أن يُناط هذا النوع من التدريب للجهات أو الشركات ذات المشاريع الكبرى، فلدينا مثلاً شركة “سابك” التي تقوم بتدريب الأشخاص على برامجها ومشاريعها، وبذلك تكون الحاضنات أو المشاريع التي تدرب هي نفسها التي ستوظفهم في المستقبل.

الرؤية والتحديات

هل ترى أن الأجهزة الحكومية تقوم بدور فعال لتحقيق أهداف رؤية 2030؟
أرى أنه لابد من وجود دراسة للوقوف على تفاعل الأجهزة الحكومية مع رؤية 2030، فهذه الأجهزة لديها مكاتب لتحقيق الرؤية، كما أنها ملزمة بتقديم تقارير دورية وخطط تتعلق بتنفيذ ما جاء في الرؤية، والأهم من ذلك أن رؤية 2030 ليست جامدة؛ ولكنها مرنة، ومن ثم فإن الأجهزة الحكومية تتعامل مع رؤية مرنة.

ما أهم التحديات التي تواجه تنفيذ مبادرات وبرامج رؤية 2030؟
لا أعتقد أن هناك تحديات كبيرة تعيق الرؤية، لكن من الطبيعي أن أي مشروع يواجه تحديات؛ ومن ثم فإن الرؤية تواجه تحديات بسيطة تتعلق بتوفير الكوادر البشرية المؤهلة لتنفيذ ما جاء في الرؤية، خاصة أن الرؤية تحمل تغيرات كبيرة وتطويراً للأجهزة، ولهذا فإنها تحتاج لكوادر بشرية لها فكر وأداء ومهارات تتكيف مع رؤية 2030 وأهدافها، وإيمان بها. كذلك فإن تنفيذ الرؤية يحتاج من الأجهزة الحكومية وكوادرها إلى نوع من الصبر والمرونة في التعامل مع معطيات كل مشروع من مشاريع الرؤية، خاصة إذا ما علمنا أن هذه المشاريع يخضع تقييمها لعملية تقييم موضوعية تستند إلى معايير محددة، وإذا لم تتم هذه المعايير بدقة من جانب الكوادر البشرية الحكومية فإنه سيكون تحدي مهم لتنفيذ هذه البرامج والمشاريع.​​