إيَّاك وما يُعتذر منه
قد يبدو عنوان هذا الكتاب «إدارة الأزمة بالاعتذار – على مستوى الدولة والمنظمة» كأنَّه يُوحي للوهلة الأولى بأنَّه يتوجَّب الاعتذار عند حدوث كل أزمة، وهذا ليس مقصد الكتاب. إنَّ المقصد الرئيس للكتاب هو الاعتذار عن الأزمة متى كان الاعتذار ملائمًا بحيث يُؤدِّي هذا الاعتذار إلى التخفيف من آثار الأزمة، أو يُمهِّد لحلها. إنَّنا نُدرك جميعًا أنَّ الاعتذار خلقٌ حسنٌ، تُؤكِّد جميع الثقافات البشرية، ومنها الثقافة الإسلامية التي قدَّرت أهمية ومكانة الاعتذار في معالجة الخطأ. غير أنَّ الاعتذار ليس محمودًا في كل الأحوال، وذلك إذا لم تتمّ دراسة التبعات المترتبة على هذا الاعتذار من الناحية القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، حتى لا يتحول هذا الاعتذار إلى أزمة. من ناحية أخرى فإنَّنا ندرك أنَّه في بعض الحالات قد يُساءُ استغلال الاعتذار من قِبَل بعض أطراف الأزمة، وذلك من أجل توسيع نطاق هذه الأزمة وإدانة الطرف المعتذر ومن ثم استغلاله. وأيًّا كانت نتائج الاعتذار فإنَّ من المؤكد أنَّنا لا ينبغي أن نقلل من أهمية الاعتذار باعتباره أحد وسائل التعامل مع الأزمات وذلك في ظل تقدير الظروف التي يمكن فيها توظيف أو استخدام أسلوب الاعتذار لحل الأزمة.
وقبل التفكير في الاعتذار يجب أنْ نتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إياك وما يُعتذر منه». إن علم إدارة الأزمات يُخبرنا بأنَّ الأفضل من إدارة الأزمة عند وقوعها هو إدارة الموقف قبل وقوع الأزمة بما يضمن عدم حدوثها/ والتخفيف من آثارها. الشيء نفسه ينطبق على الاعتذار فإنَّ الأفضل من الاعتذار هو التفكير جيدًا فيما قد يقودنا إلى الاعتذار. وبمعنى آخر فإنَّه يتوجب علينا على مستوى الأفراد أو الدول أو المنظمات توخي الحذر والحيطة من الوقوع في الأزمات؛ لأن عدم الوقوع في الأزمة خيرٌ من الاعتذار. إنَّ الاعتذار غير المدروس تكاليفه قد تكون كبيرةً جدًّا، وبدلاً من أنْ نُلطِّف من الأزمة بالاعتذار فقد نُوجد أزمةً بالاعتذار لا داعيَ لها. مرةً أخرى إنَّه يتوجب علينا قبل أنْ نفكر في الاعتذار أن نفكر جيدًا في ألاَّ نقع في الأزمة.